السفير المهندس المعلمي متحدثاً عبر منبر النادي في محاضرة بعنوان: «منبر الأمم المتحدة بين السياسة والأدب
محاضرة السفير عبدالله المعلمي
ضمن فعاليات الموسم الثقافي لنادي المنطقة الشرقية الأدبي الذي رعى انطلاقته سمو أمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز حل معالي السفير المهندس الأديب عبدالله بن يحيى المعلمي، المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية في هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، متحدثاً عبر منبر النادي في محاضرة بعنوان: «منبر الأمم المتحدة بين السياسة والأدب»، وذلك في الساعة السابعة والربع من مساء يوم الثلاثاء الموافق ٢٤ شعبان ١٤٣٧هـ) ٣١ مايو ٢٠١٦م( بقاعة الشيخ حمد المبارك -رحمه الله- بمقر جريدة اليوم.
من جانبه عبر رئيس مجلس إدارة أدبي الشرقية محمد بودي عن ترحيبه بمشاركة السفير المهندس عبدالله بن يحيى المعلمي في الموسم الثقافي لأدبي الشرقية، وأضاف إن المحاضر هو وجه مشرق ومشرّف للوطن في منبر دولي كبير بكل ما تتجسد به شخصية الإنسان السعودي من حزم وعزم وثبات في عهد ملك الحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله ورعاه.
وقد تحدث السفير المعلمي عن موقف الأمم المتحدة من قضيتي سوريا واليمن: وقال إن موقف الأمم المتحدة موقف إيجابي في القضيتن، وهناك قرارات دولية اتخذت على مستوى مجلس الأمن وعلى مستوى الجمعية العامة. وأضاف السفير المعلمي: جميع القرارات تناصر الشعب السوري والشعب اليمني. واستشهد السفير المعلمي باستصدار مجلس الأمن القرار، رقم 2216 لليمن، والقرار، رقم 2250 المتعلق بسوريا وغيرهما من القرارات .وعن موقف الولايات المتحدة من قضايا الشرق الأوسط، حيث اعتبره البعض متحيزا لروسيا وإيران، بين المعلمي أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى لها حساباتها، وتسعى للتوصل إلى نتيجة إيجابية في سوريا.وأضاف المعلمي ان المواقف المعلنة للولايات المتحدة واضحة، حيث تطالب برحيل بشار الأسد وتدعو لانتقال سياسي للسلطة في أقرب وقت ممكن، لكن لا نتوقع من الولايات المتحدة أن تتصرف بنفس تصرفنا، فنحن وهم يبحثون الموضوع من زوايا أخرى تخصهم وتهمهم من الدرجة الأولى. وردا بخصوص مفاوضات الفصائل اليمنية في الكويت وأداء الأمم المتحدة، قال المعلمي: إن المبعوث الدولي للأمم المتحدة في اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد يبذل جهودا كبيرة جدا، وهو رجل نزيه ومخلص، ويسعى قدر الإمكان إلى التوصل إلى نتائج إيجابية. وفي سؤال عن الموقف الروسي المتعلق بقضايا الشرق الأوسط قال السفير المعلمي: إن روسيا دولة عظمى، والروس لهم حساباتهم ويتصرفون من منطلق هذه الحسابات، وهذه الحسابات لا تتطابق دائما مع مبادئنا.وبين السفير المهندس المعلمي قبل يومٍ من التصويت على عضوية المملكة لمجلس الأمن؛ اتصلتُ بزملائي في البعثة الدبلوماسية، وطلبتُ إليهم أن يرتدوا أربطة عنق خضراء في جلسة التصويت. المشكلة هي أن أغلبهم أفاد بعدم امتلاكه هذا اللون. ولا وقتَ لشراء الأربطة من السوق.عندها؛ قرّرتُ القيام بالمهمة بنفسي. ذهبت إلى السوق، محلاًّ محلاًّ. أسواق نيويورك تُغلق في السابعة مساءً، والوقتُ قرابة التاسعة.. لم أتوقف، رحتُ أبحث عن محلّ حتى وجدته في مكان بعيد..!اندهش البائع من طلبي، وتساءل عن السبب.. راح يفتّش عن الأربطة بين بضاعته ومخزنه.. ثلاث هنا، اثنتان هناك.. اشتريتُ كلّ الأربطة الخضراء التي لديه.. في اليوم التالي؛ استقبلتُ أعضاء البعثة بتسليم كلّ منهم ربطة عنقه الخضراء، ليرتديها في جلسة التصويت..!ولم يأتِ المُعلمي إلى الدمّام وحده، بل صحب معه نُظراء له في الأدب والدبلوماسية.. جاء بحكاياهم وسيرهم. جاء بالمندوب السعودي الراحل جميل البارودي الذي مثّل المملكة بين 1963 و 1979، ومندوب قطر بين 1989 و 1992 الدكتور حسن النعمة، والليبيّ عبدالرحمن شلقم (2009 ـ 2012).. ومرّ من دبلوماسيين سعوديين وعربٍ خاضوا السياسة والأدب والثقافة، تحدّث عن حسن عبدالله قرشي، محمد الفهد العيسى، عبدالعزيز خوجة، نزار قباني، عمر أبو ريشة. وتوقف عند المندوب اليمني عبدالله العلويّ مستشهداً بشعره " الدبلوماسيّ " ، وفكاهيّاته.المفاجيءُ في هذا الاستحضار؛ هو حضور الدكتور بشّار الجعفري، مندوب النظام السوريّ في الأمم المتحدة، فالمعلمي يُفرد له وقفةً مليئة بالاحترام، فهو يصفه بـ «زميلي»، ويقول عنه " من الدبلوماسيين المتميزين، وهو رجل غزير المعرفة وثريّ الثقافة وله ذائقة أدبية واضحة، وإن كان لا يُتقن فن العروض " . يُضيف " ومن سوء الحظّ أن تزجّ الأقدار برجلٍ مثل هذا ليُصبح محامياً عن نظامٍ فقد كلّ ذائقة إنسانية أو أدبية أو دينية .ومثلما توقّف عند الجعفري؛ أطال الوقوف ـ أدبيّاً ـ في الشأن السوريّ، تالياً نُتفاً من الشعر العربيّ الذي سبق أن رصدته كاميرات الفضائيات وهو يُلقيه من منبر الأمم المتحدة.. قافية شوقي «سلاماً من ربى برَدى»، وقافية الجواهري، وبائية عبدالرحمن العشماويّ.. الشعر الشعر حاضرٌ في المحاضرة على نحو مكثّف، كما هو الحال في جلسات مجلس الأمن.وعن سؤالٍ أحد الحضور حول أثر الشعر " العربي " في دبلوماسيين لا يفهمون من العربية شيء؛ أجاب المعلمي " على العكس، وجدتُ التأثير واضحاً، حتى أن دبلوماسيّاً غربياً مسح دموعه أمام الحضور بعد سماعه أبياتاً من قصيدة شوقي:
سلاماً من صبا برَدَىْ أرقُّودمعٌ لا يُكفكَفُ يا دمشقُ
وعلق ـ الدبلوماسيّ الغربي ـ بأن الأبيات ذكّرته
بسنواتِ إقامته في سوريّا سفيراً لبلاده .أضاف قبل إلقاء الخطاب
أحرص على إيجاد ترجمة قريبة جداً من صور النص الأدبي ومعانيه للغة الإنجليزية
تحديداً، لكن لا سلطان علي على اللغات الأخرى: الصينية الروسية وغيرهما
.ويرى المعلمي أن "
الأدب والشعر أبلغ، في كثير من الأحيان، وأقدر على إيصال الرسالة من الكلمات
الجوفاء المنمّقة التي لا تحمل مشاعر ولا أحاسيس ولا تخاطب الوجدان». يضيف "
ردود أفعال السفراء الحاضرين، حتى من لا يتقن العربية، كانت تُنبيء بأن مضمون
الرسالة وروحها قد وصلا " .التجربة الدبلوماسية
للمهندس المعلمي؛ كانت حلماً طفوليّاً انطفأ انطفاءً تامّاً ثم عاد فتحقّق. "
في طفولتي كنتُ أطمح إلى أن أكون سفيراً، وُلدت الفكرة من هواية جمع الطوابع،
والتعرّف إلى أسماء الدول وأعلامها وأسماء زعمائها ومواقعها وخرائطها "استعان
بجداول يحدّثها باستمرار، تابع الأخبار الرسمية ليعرف منها أسماء الزعماء من خلال
البرقيات الملكية التي تُرسلها القيادة السعودية في المناسبات.. " كنتُ أرتاح
لأمبراطور الحبشة هيلاسيلاسي وامبراطور اليابان هيرو هيتو " ، والسبب عند
عبدالله الطفل وقتها هو " لأنهما كان ثابتين لا يتغيران " . لكن الأمر
مختلف مع "قادة أفريقيا وأمريكا اللاتينية ، لكثرة تغيرها نتيجة الانقلابات
المتكررة فيها .وتمر الأيام، وتأتي
ساعة الحسم في الاختيار بين القسمين العلمي والأدبي في الثانية، فأجد أنني قد
توجهت إلى القسم العلمي، ثم تأتي مرحلة الدراسة الجامعية، فأخوضها متخصصاً في
الهندسة الكيمائية، ثم تأتي الحياة العملية، لتأخذني إلى مصافي النفط ومصانع
الألمنيوم ومؤسسات المال والأعمال، ثم إلى مجلس الشورى، وأمانة محافظة جدة، وبذلك
اختفت فكرة السفارة، وأصبحت جزءا من ذكريات الطفولة، إلى أن يشاء الله أن تُبعث
إلى الوجود، وأن أكلّف بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز
(ولي العهد أنذاك)، بتعييني سفيراً في بلجيكا، ثم مندوباً دائماً للمملكة في الأمم
المتحدة، وهكذا حللتُ على السلك الدبلوماسي ضيفاً طارئاً".الضيف الطاريء على
الدبلوماسية هو ـ أيضاً ـ قاريء أدب. اتّحاد الصفتين جعلت من عبدالله المعلميّ
منافحاً شرساً عن سياسة بلاده. وعن سرّ جمع رومانسية الأدب وقسوة السياسة؛ قال
بإيجاز " إنه تجميل السياسة بالأدب " . وليس هذا كلُّ شيء، فالمعلّمي
يدعو إلى التركيز على المهارات اللغوية والأدبية في التعليم الدبلوماسيّ "أتمنّى
زرع حب الأدب واللغة في الشباب، يجب التركيز على الذائقة الأدبية. هذه الذائقة لا
يمكن اكتسابها بعد تقدُّم العمر، ولا بُدّ من تربيتها في مرحلة مبكرة، أثناء
التعليم الدبلوماسي".أسئلة الحضور حاولت
تحاشي الأدب وركّزت على السياسة.. موضوع قرار الأمم المتحدة 2216 حول الشأن
اليمنيّ كان سؤالاً مباشراً، والإجابة أيضاً.. قال المعلمي " استغرقنا العمل
ثلاثة أسابيع من المباحثات. لم يكن الموقف الروسيّ هو مشكلتنا الوحيدة، بل حتى بعض
أصدقائنا لديهم حساباتٌ قد لا تصبّ في صالح إدانة الحوثيين وجماعة علي عبدالله
صالح.. لذلك كثّفنا العمل مع الأطراف الدولية في سبيل صدور قرار من مجلس الأمن،
وساعدَنا الموقف الأردنيّ، وهو عضو في مجلس الأمن، في ذلك.. ثم تطوّر الأمر إلى
المباحثات مع المندوب الروسي مباشرة.. وهكذا نجحت المساعي في صدور القرار".
" لكنّ الأمر لم يتوقّف
عند صدور القرار 2216 " .. يقول المعلمي " بل هناك البيانات الأممية
اللاحقة في الشأن اليمنيّ، فهناك معركة دبلوماسية جديدة مع كلّ بيان
" .الحديث تشعّب مع
المهندس المعلمي، وكانت إيران حاضرة في الأسئلة. ونفى مندوب المملكة علمه بأية
إجراءات اتّخذتها طهران نحو تصعيد ملفّ الحجّ إلى الأمم المتحدة. وقال " لا
شأن لنا بمن يحكم إيران.. ذلك شأنٌ إيرانيٌّ داخليّ.. الذي يعنينا هو ما تفعله
إيران في دول المنطقة، وهذا ما يفرض علينا أن نواجهها بالطرق الملائمة
" .وحول صدامه المستمر مع
مندوب سوريا، بشّار الجعفري، " قال نحن نتحاور وكلّ منا يستخدم لغته.. وذات
مرة وصفتُ الجعفري بـ " الأخ " ، فردّ عليّ " أنتَ أخي مثل أخوة
قابيل لهابيل " ، فرددتُ عليه أنت أخي في العروبة .لكنّ الصدامات تتكرّر
أكثر مع المندوب الإسرائيلي، فالمملكة لديها موقفٌ واضحٌ وثابتُ إزاء القضية
الفلسطينية.بين الجمعية العامة
للأمم المتحدة وبين مجلس الأمن هناك فروقٌ كثيرة فرزها المهندس المعلمي في معرض
إجابةٍ لها عن آليات المؤسسة الدولية.. الضمير العالمي موجودٌ بوضوح في الجمعية
العامة.. في الجمعية مواقف ضميرٍ كثيرة تصدر في شكل قرارات أممية.. هناك 17 قراراً
دوليّاً يخص فلسطين يصدر عن الجمعية كل عام.. وقرارٌ واحد على الأقل في الشأن
السوريّ.. لكنّ المشكلة ليست في الجمعية العامة، بل في آليات مجلس الأمن، وكلّ
الأعضاء الدائمين في المجلس يختلفون في كلّ شيء، إلا ما يرونه حقاً في آليات
المجلس.. وبالذات حق الفيتو..!كانت قاعة الشيخ حمد
المُبارك في مقر الزميلة صحيفة اليوم مكتظّة عن آخرها بالحضور، وكان رئيس النادي
الأدبي محمد بودي مُدير الأمسية. مرّ الوقتُ سريعاً، والمداخلات مكتوبة ومنطوقة.
وبعد الأمسية حوصَر مندوب المملكة في الأمم المتحدة بالمعجبين.. حتى أنهم أخّروا
خروجه لاستكمال ليلته.
لاتوجد تعليقات بعد
محرر الموقع