سلبية المثقف في مجموعة «البهو» للصقعبي
"أنت كلّ شيء، لكنّك لست شيئاً على الإطلاق.. لأنك لا تفعّل إمكاناتك، ولا تقوم بدورك..
هذه هي الرسالة التي بدا لي أنّ مجموعة (البهو) للقاص عبدالعزيز الصقعبي تريد إيصالها "للذات المثقفة"، بعد رحلة خاضتها هذه الذات في تأمل وجودها، إنها رسالة منها وإليها.
لدى ولوج عوالم أي مجموعة قصصية، يلحظ القارئ أنّ لجوء كاتبها إلى عنونة مجموعته بعنوان إحدى قصصها ليس أمراً اعتباطياً، إنما يأتي بغرض تحويلها إلى رافعة لمجمل قصص المجموعة المتباينة.
ويبدو من المنطقي أن الخوض في العالم الخاص، الذي ترسمه منظومة العوالم النفسية للمجموعة، يأتي عبر استخدام قصة العنوان مفتاحاً يشرع أبواب المعاني الملتبسة، ويفسر المدلولات المتباينة لتظهر منتظمة في عقد واحد.
ومجموعة (البهو) للصقعبي الصادرة عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي، هي خير نموذج لهذه الفكرة، إذ أن المجموعة تحمل اسم قصة تعتبر مفتاحاً لفهم سائر قصص المجموعة، ومرتكزاً لعوالمها النفسية والثقافية معاً.
وكما أنّ قصة العنوان تمنحك مفتاح الولوج، فإنّ المقطع الذي يضعه الكاتب في نهاية الكتاب قد يرسم لك الحدود المعرفية، التي يريدك الكاتب أن تتحرك خلالها أثناء القراءة، وكأنه بذلك يمنحك المفتاح والبوصلة ويرسم لك الخارطة ثم يتركك لرحلة القراءة.
الملفت أنّ المقطع الذي اختاره الكاتب ليقفل به قوس كتابه، هو جزء من قصة تحيل بشكل رمزي إلى تأمّل "الشعر"، ربما باعتباره أبرز رموز العوالم الثقافية العربية.
تتناول قصة العنوان (البهو) نظرة مغايرة لعالم الثقافة، وترسم صورة سلبية للمثقف. بخلاف الدور الإيجابي المثالي الذي يرسم في الأذهان حين تذكر كلمة "مثقف"، والتي تتضمن الوعي والحركة والإبداع والإنجاز، فالصور المبثوثة في المجموعة لا تدل إلا على جهل الذات، ناهيك عن معرفة الواقع أو تغييره، كما تشير جوانب أخرى من المجموعة إلى غياب الأهداف الكبرى والالتهاء بالبحث عن مطالب صغيرة، قد يكون أكبرها الحصول على "كرسي".
هذه الثيمة (هاجس صورة المثقف ودوره)، لا نلحظها في قصة (العنوان) فحسب، بل يتأكد حضورها في الكثير من قصص المجموعة التي تساهم في رسم ملامح المثقف، بالتلميح للفكرة تارة، وبالتصريح أحياناً أخرى، حتى أن القارئ ليخالجه الشكّ في أنّ كلّ قصص المجموعة قد تشير إلى هذه الثيمة من قريب أو بعيد، خصوصاً في مجموعة تتكئ بقوة على أسلوب الإيهام والغموض، فالذوات التي يوغل الكاتب في سبر أغوارها في مواقف لا تشير إلى عالم الثقافة مباشرة، هي ذوات ممسوسة بالحالة الثقافية، التي سعى الكاتب ابتداء إلى رسم ملامح عامة لها لا تخطئها العين حين تقع عليها فيما يلي من قصص، حتى لو لم تشمل سرداً مباشراً عن الذات المثقفة أو الحالة الثقافية، كما في قصة (دفء) الرمزية التي ينطق بطلها العامل البسيط المهاجر؛ من أجل لقمة العيش بعبارة تتجاوز مستواه الثقافي، فهو يقارن بين وطنه والبلد الذي يعمل فيه، بينما يتحلق مع مجموعة من العمال حول النار "هناك برد ولك أن تنفيه عنك ببعض الدفء، وهنا بردٌ ولا دفء له".
غير أنّ ما سبق لا يعني أنّ المجموعة اقتصرت على تناول مجتمع النخبة وأفكاره وعوالمه، بل تعدت ذلك إلى تناول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ربما لتشير إلى مسئولية هذه النخبة عن هذه الأوضاع، ولتذكرها بمسؤوليتها نحوها.
لاتوجد تعليقات بعد
محرر الموقع